المال سبب المشاكل !؟

بسم اللة الرحمن الرحيم
وبعد.....................؟
من الغريب جداً أن يكون المال سبباً للتوتر والقلق ، وهو المعروف عنه أنه جالب للسعادة والمتعة والرفاهية .. فكيف يكون سبباً لتوتر النفوس ودوام القلق والعيش في عالم من الأرقام والعمليات الحسابية من جمع وطرح وقسمة وضرب ، وكيف يكون سببا للمشاكل ويكون في الوقت نفسه وسيلة مهمة من وسائل راحة القلب والبال والجسم ؟ المسألة ليست معادلة صعبة على الحل أو ليست مسألة حسابية معقدة ، بل هي في غاية السهولة .

إن التوتر والقلق الذي نعيشهما في جو من الحرص على المال ، إنما لأن أغلبنا لا يكتفي بمصدر واحد للدخل ، بل يريد أن يجعل لنفسه مصدراً آخر ثان أو ثالث ورابع وربما ألف ، معتقداً بأن مصدراً وحيداً للمال لن يكون كافياً للعيش الرغيد ، بل لا بد من البحث عن مصادر دخل إضافية . وحين يبدأ أحدنا التفكير في كيفية إيجاد تلك المصادر والبدء في التنفيذ ، تكون عملية التوتر والقلق قد بدأت أيضاً تأخذ مواقعها في النفوس والألباب ، وتتأثر تبعاً لذلك أجسامنا ، مادياً ومعنوياً وللأسف أن التأثيرات غالباً تكون سلبية.

هذا موظف في درجة من الدرجات ، لا يكتفي براتبه الحكومي ويتطلع إلى إيجاد مصدر ثان للدخل . ينظر إلى ما جمعه خلال عدة سنوات فيجد أنه بالإمكان فتح مشروع تجاري ولو صغير ، فيبدأ بالخوض فيه إما بنفسه أو مع شريك . وربما ينجح أو لا ينجح ، وفي كلا الحالتين يكون ذا بال مشغول . إن نجح في المشروع سيتطلع إلى المزيد مع ما يتبع ذلك من جهد بدني وذهني أكبر ، وإن فشل ، فسيتطلع إلى كيفية سد منافذ المشاكل ، مع ما يتبع ذلك من هم وغم لا يفارقانه لا في الليل ولا في النهار ، وخصوصاً إن كان قد تورط في دوامة الديون والشيكات بدون رصيد.

معلم وافد ينظر إلى راتبه فلا يقتنع ، وربما معه الحق في ذلك .. المهم أن عدم اقتناعه بالراتب يدفعه إلى خوض مجال الدروس الخصوصية التي تدر عليه ذهباً أو هكذا يبدو ويقال ، المهم أن حصد ذاك الذهب يكون على حساب وقته وأهله وصحته دون أن يدري .. وبالمثل موظف آخر يعمل في الصباح بالحكومة ويتطلع إلى أن يعمل بالفترة المسائية أيضاً بشركة أو أي عمل خاص ، وربما ينجح ويجد وظيفة تتيح له زيادة دخله الشهري ، ولكن مرة أخرى سيكون ذلك على حساب أهله ووقته وصحته.

الموضوع لا ينتهي بمجرد التوفيق في إيجاد مصدر ثان وثالث للدخل ، ولا ينتهي بالنظر إلى الرصيد في البنك نهاية كل شهر ورؤيته يتضاعف شيئاً فشيئاً ، بل إن ذلك باعث ودافع على الاستمرار دون النظر إلى أي نتائج سلبية مترتبة على ذلك . فإن اشتكى الأهل والعيال من غياب رب الأسرة ، قال : الشغل ، وإن سقط مريضاً مرهقاً بسبب الإرهاق ، قال : الشغل ، فإن قيل له : لماذا ترهق نفسك هكذا ؟ قال : ظروف الحياة !

الحياة بالطبع بريئة من تلك التهم التي نسوقها كل ساعة . إننا بما نقوم به الآن لا ندرك قيمة الصحة وقيمة الوقت واستشعار أهمية أن يعيش الإنسان كإنسان ، يتماشى مع الفطرة وسنن الكون . وقت العمل يعمل ، ووقت الراحة يرتاح ، ويعرف ما لنفسه وجسده من حق عليه ، وما لأهله وعياله من حق .. إننا بمصادمتنا لتلك السنن والقوانين الكونية والجري وراء المال بقصد تحسين الدخل والمعيشة ومواجهة متطلبات الحياة وظروفها ، أو كما نزعم ، نضع أنفسنا في مرتبة الآلة الميكانيكية أو الجماد إن صح وجاز لنا التعبير .. فالحياة ليست مالاً فقط ، بل أعمق وأشمل ، والمال جزء منها .. فلماذا نركز على جزئية واحدة ونترك عشرات أجزاء الحياة التي ربما تكمن السعادة فيها دون أن ندري.


عبـدالله العمادي